ابحث في الفهارس

إسهامًا من المركز في تسهيل عملية البحث وإرشاد الباحثين للمخطوطات ونسخها؛ فقد أتاح المركز قاعدة بياناته للباحثين، لإيمانه أن أولى عمليات التحقيق الجادة تبدأ بمعرفة نسخ الكتاب.

لقاء مع الدكتور محمد عطا

مَجلسٌ عند مُحقِّق

لقاء علمي يُعقد لبحث علوم التراث الإسلامي

ضيف اللقاء الثالث

الأستاذ المحقق: د. محمد عطا

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي جعل العلم سبيلا لرفع الدرجات، والصلاة والسلام على رسول الله الذي أعطي جوامع الكلم البينات، وعلى آله وصحبه ذوي الفضائل العاليات، ومن والاه ما دامت الأرض والسماوات.

أما بعدُ:

فقد جعل الله من وسائل الاتصال بين الناس سبيلًا للاجتماع على طاعته ومن أعظم هذه الطاعات طلب العلم.

وكان منها: مجموعة "مخطوطات السنة" على برنامج الواتساب، التي أسسها الشيخ أبو عمار محمد البعداني المكي حفظه الله، في يوم الاثنين: 8/ 8/ 1437هـ الموافق 16/ 5/ 2016م.

وقد ضمت هذا المجموعة عددًا من المختصين بعلم التحقيق ودراسة المخطوطات، ومحبيها والعاكفين على تحقيقها ونشرها.

ويقوم بالإشراف عليها من المشايخ: (محمد عبده البعداني، وخالد مأمون آل محسوبي، و د. عبد الرحمن المطلق، وبلعبيد مراد بن عبد القادر، وخالد مسعود سليمان، ووائل محمد الغامدي، وشحات رجب البقوشي، وعبد الله أورفلي).

وقد رأى المشرفون على المجموعة أن يقوموا بعقد لقاءات مع ذوي الخبرة في المخطوطات، رغبة في النهل من خبرتهم والاستفادة من تجربتهم القيمة.

وهذا هو اللقاء الثالث وقد عقد مع الأستاذ المحقق د. محمد عطا حفظه الله، في أيام: السبت الموافق ( 11/ 6/ 1440هـ ، 16/ 2/ 2019م)، والسبت والأحد الموافقين ( 25-26/ 6/ 1440هـ ، 2-3/ 3/ 2019م).

وتولى اللقاء معه من الإشراف: الشيخان شحات بن رجب البقوشي وعبد الله أورفلي - وفقهما الله -.

وكانت الأسئلة في شأن التحقيق وشأن اللغة العربية بحكم تخصص الضيف الكريم.

وقد تفضل الأستاذ الفاضل فأجاب على الأسئلة، وقد دوَّنا هذا اللقاء لنشره على شبكة المعلومات، ويعم به النفع إن شاء الله، وقام على تدوينه وتنسيقه الشيخ عبد الله أورفلي - وفقه الله -، وقد أبقينا نص الأسئلة وجوابها كما كُتبت.

والله نسأل أن يكتب الأجر والمثوبة وينفع بالجميع الأمة المسلمة.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

س: منذ شهور طالعت مقالتكم "الدورة التراثية لفن الأيام والليالي والشهور"، نشر على موقع معهد المخطوطات، وكانت تمثل شيئًا جديدًا بالنسبة لي، من وقتها وأن أريد التعرف على شخصكم الكريم:

على الرحب والسعة، محمد علي عطا، عملت محاضرًا بالسنة التحضيرية بجامعة الملك سعود بالرياض، وباحثًا ومحقِّقًا للتراث لقرابة عشرين عامًا في عدة مراكز بحثية؛ أهمها هجر للنشر والتوزيع بمصر، وغيرها من مراكز التحقيق.

┈••✾•✿•✾••┈

 س: بالتأكيد سبق ذلك مراحل من الدراسة، فهل من الممكن نبذة عن مؤهلاتكم العلمية:

حصلت على شهادة الليسانس في اللغة العربية والعلوم الإسلامية، من كلية دار العلوم، جامعة القاهرة، عام 1998م، ثم تمهيدي الماجستير بقسم الأدب بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة، 1999م، ثم ماجستير في اللغة العربية وآدابها، تخصص الأدب والنقد، من جامعة عين شمس، 2004م، بدرجة امتياز مع التوصية بالطبع على نفقة الجامعة وتداولها مع الأقسام المشابهة في الكليات الأخرى، ثم دكتوراه في اللغة العربية وآدابها، جامعة عين شمس، 2011م، بمرتبة الشرف الأولى، تخصص الأدب والنقد، وحاصل على دبلومة الخطوط العربية إلى جانب بعض الدورات التدريبية في التعليم الإلكتروني.

┈••✾•✿•✾••┈

س: كيف كانت بدايتكم مع التراث:

بدأت مع التراث منذ تخرجت في دار العلوم عام 1998م، حيث عملت في شركة هجر، وكان أول عمل لي فيها هو مقابلة مخطوطات الجزء الثامن عشر من كتاب البداية والنهاية لابن كثير، ثم استمر الارتقاء في مجال التحقيق من مقابلة المخطوطات إلى التحقيق، ومراجعة بروفات التحقيق والفهرسة...إلخ، فقد تمرست في فن التحقيق من خلال المشاركة في تحقيق البداية والنهاية لابن كثير(ت774هـ) صدر في واحد وعشرين مجلدًا. وتفسير محمد بن جرير الطبري (ت310هـ)، جامع البيان في تأويل آي القرآن، صدر في ستة وعشرين مجلدا. والدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي (ت911هـ ) ، صدر في ستة عشر مجلدا. وموسوعة الفقه المالكي، وصدرت في ثمانية وعشرين مجلدا، وتضم: موطأ الإمام مالك (ت 179هـ)، التمهيد، لأبي عمر يوسف بن عبد البر(ت463هـ). الاستذكار، لأبي عمر يوسف بن عبد البر(ت463هـ)، القبس ، لابن عربي المالكي. فهجر هي الجامعة الثانية التي تخرجت فيها.

┈••✾•✿•✾••┈

 س: هذا كان في البدايات والتأسيس، فكيف كانت الانطلاقة الشخصية؟

كانت الانطلاقة الشخصية - بعد التضلع في هجر - من خلال الدراسات العليا في جامعة القاهرة، حيث كان الماجستير تحقيقًا لحماسة النَّيْرَمَاني (ت414هـ)، وقد توصلت فيها إلى أن التعريف الشائع للحماسات بأنها مختارات شعرية مرتبة على أبواب المعاني، ليس صادقًا؛ لأن هناك نوعا من الحماسات جمع بين الشعر والنثر، فكان حماسة نثرية وشعرية في آنٍ، وهي حماسة النَّيْرَمَاني (ت414هـ).

وفي الدكتوراه أوحى لي عملي في تفسير ابن كثير أن أدرس كيفية تحقيق نسبة الكلام النثري لمؤلفه؛ لأن نسخا من نسخه كانت غاية في الاضطراب والمخالفة لأسلوب ابن كثير، ورغم ذلك كنا نواجه إشكالية في نفيها نفيًا قاطعًا عن ابن كثير أو إثباتها، ومن هنا شغلتني هذه القضية، فعملت على حل إشكالية الكتب والرسائل الأدبية مختلفة النسبة؛ حيث كان الكتاب الأدبي الواحد تختلف نسبته بين مؤلفين وثلاثة وربما ست مؤلفين، ولا يوجد منهج يعالج هذه المشكلة، فعمل الباحث على تكوين منهج لحل هذه الإشكالية، مجيبًا عن سؤالين اثنين: كيف أحقق نسبة كتاب مختلف النسبة، وكيف أوازن بين الأدلة المستخدمة في تحقيق النسبة أو نفيها إذا اختلف الباحثون، وهي تحت الطباعة بعنوان" منهج تحقيق نسبة النص النثري".

┈••✾•✿•✾••┈

 س: هل يمكننا اعتبار رسالة الدكتوراه مشروع العمر؛ بمعنى أنك انشغلت فيما بعد بتطبيق المنهج الذي اقترحته فيها على بقية الكتب مختلفة النسبة؟

حقيقة كان هذا ما في النفس، وملت إلى التركيز على هذا الجانب، ولكن التراث مثل الرمال المتحركة، يسرح بك إلى أماكن بعيدة لم تكن يوما في بؤرة شعورك.

┈••✾•✿•✾••┈

 س: إذًا وجدت مشروعا آخر ليكون مشروع العمر بالنسبة لك؟

أعتبر مشروعي العلمي هو تنظيم خدمة التراث من خلال "نظرية الدورات التراثية"، وللتعريف بهذه النظرية كتب عدة بحوث ومقالات، هي: "الدورة التراثية لتنقيح الزركشي"، منشور على موقع الألوكة، و"الدورة التراثية لفصيح ثعلب تعريفًا وتطبيقًا"، نشر بمجلة العلوم الإنسانية، جامعة تندوف، الجزائر، العدد الأول، شهر يوليو، 2017م، (ص19-32)، ثم "الدورة التراثية لفن الأيام والليالي والشهور"، نشر على موقع معهد المخطوطات.

 وحاليًّا أعمل على خدمة تراث ابن دُريد (ت321هـ) وتلميذه ابن خالَوَيه (ت370هـ) في ضوء نظرية الدورات التراثية هذه.

┈••✾•✿•✾••┈

 س: وأين وصلت في هذا المشروع؟

أنجزت بفضل الله قدرًا لا بأس به حتى الآن؛ فقد أنجزت المقالات والبحوث التالية:

فيما يتعلق بابن دُرَيْد(ت321هـ)، أنجزت بفضل الله: بحث"كتاب الألفاظ المشتركة لإمام الفاضلية وليس لابن دريد"، مجلة مجمع اللغة العربية على الشبكة العالمية، العدد14، السنة الخامسة، ذو القعدة 1438هـ/يوليو- أغسطس، 2017، (ص114-145). وبحث"كتاب" محمد بن دريد وكتابه الجمهرة" عرضًا ونقدًا". نشر على موقع حماسة، وبحث "أسانيد رواية جمهرة ابن دُريد"، نشر على موقع حماسة. وبحث "نُسَخ جمهرة ابن دُريد على مدار التاريخ". نشر على موقع حماسة. ومقال "القيمة الأخلاقية لكتاب الملاحن". نشر في مجلة العربي الكويتية، العدد(693) شهر أغسطس عام 2016م، وبحث: "حقيقة كتاب فعلت وأفعلت المنسوب لابن دريد". نشر على موقع حماسة، ومقال: "بين القالي والفالي خلط بالمصادر شعرًا ونثرًا". نشر على موقع حماسة. وبحث "فهرس أبحاث مؤتمر ابن دريد الأزدي أعلم الشعراء وأشعر العلماء"، نشر على موقع حماسة. وبحث "معجم ما أُلِّف عن جمهرة اللغة"، موقع حماسة.

وقيد النشر: بحث "الدورة التراثية لفن الملاحن"، و"مخطوطتان مجهولتان لكتاب الملاحن".

وفيما يتعلق بابن خَالَوَيْه (ت370هـ)، أنجزت بفضل الله: بحث "أمالي ابن خالويه..ملامحها ونُتَفٌ منها"، مجلة جيل الدراسات الأدبية والفكرية"، عدد 28 مارس2017م، (ص51). وبحث "نكبات تراث ابن خَالَوَيه(ت370هـ)"، نشر على موقع حماسة، وبحث "اطْرَغَشَّ وابْرَغَشَّ لابن خالويه..ملامحه ونُتَفٌ منه"، نشر على موقع حماسة. ومقال "سقَطَ من سِفْر السعادة". نشر على موقع حماسة. ومقال "جَمْع الفاعل..أثر مجهول لابن خالويه"، نشر على موقع حماسة. ومقال "كتاب "الآل" لابن خالويه ليس مفقودا". نشر على موقع حماسة. وبحث "مختصر كتاب الأيام والليالي والشهور لابن خالويه..اختصره علم الدين السخاوي تحقيقا ودراسة"، نشر على موقع الألوكة، وبحث "تأثير أبي بكر ابن الأنباري في تكوين ابن خالويه علميًّا"، نشر على موقع معهد المخطوطات، وبحث "مسألة المحراب لابن خالويه..تحقيقًا ودراسة"نشر في مجلة جيل الدراسات الأدبية والفكرية العدد 38، فبراير، 2018م(ص117). وبحث "انتصار ابن خالويه لفصيح ثعلب..تحقيقًا ودراسة"، نشر بموقع معهد المخطوطات العربية، عام 2018م، وبحث "تأثير أبي عمر الزاهد في تكوين ابن خالويه علميًّا"، نشر بموقع معهد المخطوطات العربية، عام 2018م.

وقيد النشر: بحث " تفسير نونية عدي بن زيد العبادي لابن خالويه.. تحقيقًا ودراسة"، وبحث "وصف ديك لأبي القاسم الهُبَيْري وشرح غريبه لابن خالويه..تحقيقًا ودراسة".

┈••✾•✿•✾••┈

 س: ذكرت سابقا أن التراث مثل الرمال المتحركة تأخذك إلى حيث لم تخطط، فهل أخلصت لهذا المشروع، أم جذبتك جواذب التراث ورماله المتحركة؟

بل جذبتني وأحاول أن أستمسك؛ فخارج إطار هذا المشروع البحثي كتبت في التراث:" كتاب "تجريد حواشي ابن حجر على تنقيح الزركشي، تحقيقًا ودراسة"، قيد النشر، و"تذييل على تاريخ نشر التراث العربي". نشر على موقع الألوكة. و"الفتنة بأحكام العماليق". نشر على موقع الألوكة. و"وصف نسخة الأزهر من كتاب حواشي ابن حجر على تنقيح الزركشي". نشر على موقع الألوكة. و"وصف نسخة كوبريلي لكتاب حواشي ابن حجر على تنقيح الزركشي". نشر على موقع الألوكة.  و"تنقيح الزركشي وأخطاؤه المهولة". نشر على موقع الألوكة. و"حواشي ابن حجر على تنقيح الزركشي بين تحقيقين". نشر على موقع الألوكة. و"قصيدة في رثاء ديك لأبي الفرج الأصبهاني..تحقيقًا ودراسة"، نشر على موقع حماسة. و"نصوص من مجموع مفقود للنَّخَّاس الحلبي"، نشر على موقع حماسة. وبحث "خطأ فصيح ثعلب لأبي إسحاق الزجاج..تحقيقًا ودراسةً"، نشر بمعهد المخطوطات، 2018م.

وفي مجال خدمة القرآن الكريم كتبت بفضل الله: "الوحدة الموضوعية في سورة إبراهيم..استراتيجية البلاغ". نشر على موقع حماسة. و"الفهرس التفصيلي لكتاب التصوير الفني في القرآن". نشر على الألوكة. وبحث"قانون تفسير القرآن للنجم الطوفي وصفًا وتطبيقًا". نشر على الألوكة. و"نقد محاور القرآن الخمسة للشيخ الغزالي". و"مخطوطة مجهولة لكتاب"ما وقع في القرآن من الظاء" للسرقوسي"، موقع حماسة. و"كتاب تعريف عام بدين الإسلام لعلي الطنطاوي .. قراءة نقدية. نشر على مدونة هاف بوست.

وفي الفكر الإسلامي والتربية كتبت بفضل الله تعالى: كتاب "تهذيب طبائع الكواكبي"، قيد النشر، وبحث "التفكير الاستراتيجي فريضة إسلامية". نشر على مدونة هاف بوست. و" لماذا فشل مشروع المقريزي الإصلاحي". نشر على مدونة هاف بوست. و"المقريزي وشجاعة المواجهة"، نشر في مجلة العربي الكويتية، و"آية هذا الزمان". و"ودراسة "عِقَالٌ فوق رأس لا يميل..الحضور المَسيري والتَّمايُز البازعيِّ"، نشر في جريدة الجزيرة السعودية.  وفي التربية "نظرية الكواكبي التربوية". نشر على موقع الألوكة.

وفي مجال العلوم كتبت بفضل الله: "تفسير ابن العميد لظاهرة الشفق القطبي"، و"رسالة ابن العميد في تفسير الحُمرة الحادثة في الجوِّ تحقيقًا ودراسة"، وكلاهما قيد النشر بإذن الله.

وفي الاجتماعيات كتبت بفضل الله تعالى: مقال "رحيل صانع ألحان السواجع"(وهو في رثاء أ د محمد عبد الحميد سالم أستاذ الأدب والنقد بكلية الألسن بجامعة عين شمس)، نشر على موقع حماسة. ومقال "التروبادور الأخير" (وهو في رثاء أ. د. عبد اللطيف عبد الحليم أبو همام). نشر على موقع الألوكة. ومقال " فتحي جمعة فارس باسل للغة باسلة"، نشر على موقع حماسة، 2018م.

┈••✾•✿•✾••┈

 س: ما شاء الله إنتاج وفير، ويلاحظ عليه فيما يتعلق بخدمتك لتراث ابن دريد وابن خالويه ونظرية الدورات التراثية أنك تخدم تراث الشخصية في كل المجالات التي أنتج فيها؛ فابن خالويه كان مهتما بالنحو واللغة والقراءات، بينما يميل العصر إلى التخصص الدقيق؟

نعم، عندي قناعتان: الأولى أن تراثنا موسوعي يستعصي على التخصص الدقيق كما كان يذهب محمود شاكر رحمه الله. والقناعة الثانية وهي قناعة شخصية، وهي أن الأدب –وهو تخصصي – ليس مجرد تخصص، ولكنه مفتاح لكل علوم العربية؛ فالأديب لغوي وزيادة، وتاريخي وزيادة، ونحوي وزيادة، وصرفي وزيادة، وشرعي وزيادة، فالأديب هو شخص امتزجت فيه الثقافة العربية والإسلامية بجميع فروعها فهضمها وأخرج منها عسلا سائغًا شرابه؛ لذلك يسهل عليه أن يلج أي فرع من فروع العربية بسهولة.

┈••✾•✿•✾••┈

س: ملاحظة ثانية على إنتاجك العلمي، وهي أنك تميل لكتابة المقال العلمي أكثر؛ فأكثر المنشور لك مقالات علمية وبحوث، بينما كتبك قليلة، فهل هذا صحيح؟ وما سبب ذلك؟

هذا صحيح، والسبب أنني على يقين بأنه لا يوجد بحث تراثي كامل؛ لأننا نعاني من نقص معلومات شديد في تراثنا، ومن ترامي أطرافه، لدرجة أنك تحقق كتابًا على النسخ المتاحة بين يديك، فتظهر بعد حين نسخ أجود، تجعل عملك القديم لا قيمة له ويحتاج إلى إعادة تحقيق، وتكتب البحث وبعد نشره، تكتشف صدفة جانبًا أو مصدرًا لم تقع عليه؛ لذلك كتابة البحث تتيح عرضه على المهتمين فينبهونك للنقص ولما خفي عليك، ولإعادة النظر في بعض الأمور، فتستدرك كل ذلك عندما تضم أبحاثك في كتابٍ خالدٍ يشهد على عقلك وتؤاخذ به.

┈••✾•✿•✾••┈

س: بمن تأثرت من المحققين؟

ستضحك عندما تعلم أنني في كلية دار العلوم كلمني صديق ذات يوم وقال لي محمود شاكر مريض وسنذهب لزيارته فتعال معنا فقلت له من محمود شاكر هذا؟ فأخذ يشرح لي وفي النهاية لم أذهب وتحسرت على ذلك كثيرا .. فرص لا تعوض.

ولقد جاءني في المنام رحمه الله منذ سنين وكان في خان لبيع الكتب وكنت أجلس أمامه مع بعض الأصدقاء وقال : من يخرج لي هذه الآية؟

فرشحني من يجلسون معي، فأعطانيها، ولما خرجتها ابتسم في وجهي ابتسامة عريضة وربت على كتفي.

أما بالنسبة للتأثر:

عاصرت الطناحي رحمه الله في هجر، وأكبرته؛ لكثرة الكلام الطيب الذي سمعته عنه، ولما جُمعت مقالاته وبحوثه ونشرت في مجلدين، عكفت عليها دارسًا وملخصًا ومتعلمًا، وكتبت عنها بحثا في ستين ورقة ولكني مسحته بالخطأ بعد أن اكتمل واستوى، فكان تأثري به شديدًا، ولكن منهج التحقيق الذي تشربته كان منهج صديقه عبد الفتاح الحلو منشئ هجر، رحمهما الله.

┈••✾•✿•✾••┈

س: اللغة والتراث كيف ترى العلاقة بينهما؟ وأيهما يتبع الآخر؟ أم هما متوازيان؟

دعنا أولا نحدد المصطلحات، اللغة وأقصد بها علوم اللغة من نحو وصرف ومعاجم، والتراث وأقصد به كل ما ترك سابقو الأمة للاحقيها من علوم مختلفة منها اللغة وغيرها، وباعتبار هذه المفاهيم فإن اللغة وعاء التراث، ووسيلة حفظه على مدار الزمان، ووسيلة نقله من الصدر للنظر، ومن الذات للآخر، وفي الوقت ذاته اللغة جزء من تراثنا مميز عن غيره من العلوم تحت اسم علوم اللغة العربية؛ تفريقا بينها وبين الفروع العلمية الأخرى كالفلسفة والتاريخ والعلوم الطبيعية، وعلوم الحديث والتفسير والفقه...إلخ، ولكنه – رغم هذا التمييز- لم ينفصل عن فروع العلوم الإسلامية الأخرى، فاللغة جزء مهم بل هي العتبة الأولى لفهم القرآن وتفسيره، وفهم حديث رسول الله وتأويله، وفهم الأشعار والنصوص الأدبية؛ فاللغة بالنسبة للتراث: وعاء، وأداة نقل، وعتبة فهم، وفنٌّ مستقلٌّ، أو إن شئت فقل: هي أساس وعِماد وسقف.

┈••✾•✿•✾••┈

س: في ظل الاهتمام بتحقيق النصوص التراثية، هل ترى نصوص اللغة أخذت حقها من هذا الاهتمام؟

نعم أخذت حظًا وفيرًا من الاهتمام –قياسًا بكتب العلوم العقلية أو التجريبية مثلا-، والدليل أن نسبة كبيرة من أمهات كتب اللغة محققة ومدروسة بفضل الله، ولعل السبب أنه اهتم بكتب اللغة منذ بدايات الطباعة في العالم العربي، وخاصة المطبعة الكاثوليكية في لبنان سنة 1854م حيث كان من مطبوعاتها نوادر أبي زيد الأنصاري عام 1894م، وتهذيب كتاب الألفاظ لابن السكيت للخطيب التبريزي، والألفاظ الكتابية للهمذاني، وفقه اللغة للثعالبي، ثم نشرت مطبعة المعارف للبستاني التي أنشئت عام 1867م محيط المحيط ومختصره قطر المحيط، ثم مطبعة بولاق التي طبعت فيما طبعت لسان العرب، والكتاب لسيبويه، والصحاح للجوهري، والقاموس المحيط، وشرح شواهد التلخيص، ثم جاء أفذاذ المحققين واهتموا بكتب اللغة مثل عبد السلام هارون، الذي حقق معجم مقاييس اللغة ومجالس ثعلب، أمالي الزجاجي، الاشتقاق لابن دريد، وكتاب سيبويه، وتهذيب اللغة، وخزانة الأدب، وإصلاح المنطق بالاشتراك، وتهذيب الصحاح بالاشتراك أيضًا، ثم توالي تلاميذ الأفذاذ  كالطناحي ورمضان عبد التواب رحمهم الله جميعًا، ثم زاد الاهتمام واتسع في العراق، فأسدوا خدمة جليلة بنشر كثير من كتب التراث اللغوي، وأعلامهم أكثر من الحصر، ثم زاد الإقبال على التحقيق في الجامعات فكثرت الكتب اللغوية المحققة.

ولكن هذا لا يعني أنه لم يبقَ ما يستحق بذل الجهد في التراث اللغوي، بل هناك كتب مهمة ما زالت تحتاج إلى جهد، مثل لسان العرب الذي لم يحقق حتى الآن، وغيره من خبايا الزوايا التي تحتاج إلى بحث وتحقيق وتدقيق.

ومقارنة بعلوم الحديث فإن اللغة أقل اهتمامًا؛ إذن خدمة تراث اللغة العربية حظي باهتمام أكثر من العلوم التجريبية وأقل من علوم الحديث التي تحتل الصدارة في الاهتمام من وجهة نظري.

┈••✾•✿•✾••┈

س: بعيدًا عن الدندنة حول نشأة علم التحقيق ودور الاستشراق في نشأته، نجعل السؤال : أي الفريقين له الدور الأكبر في نشأته، المحدثين أم أهل اللغة؟ حيث وجدنا في البدايات من الفريقين الشيخ أحمد شاكر والمعلمي في صف المحدثين، والشيخ محي الدين عبد الحميد ومحمود شاكر وعبد السلام هارون من أهل اللغة؟

التراث عصي على التصنيف الدقيق الذي قامت عليه الكليات والجامعات في العصر الحديث، بين نحو مستقل عن البلاغة، منعزل عن الأدب، فالمكتبة العربية على اختلاف فنونها كتاب واحد كما قال محمود شاكر رحمه الله.

وتاريخيًّا أول المحاولات المعتبرة في التحقيق في العصر الحديث كانت على يد أحمد زكي في كتاب الأصنام وأنساب الخيل، ويؤرخ لتحقيق الشيخ أحمد شاكر لكتاب الرسالة للإمام الشافعي بأنه الانطلاقة الكاملة للتحقيق الحديث، ولا يمكن تصنيف الشيخ أحمد شاكر رحمه الله بأنه محدث فقط، فقد شارك مع عبد السلام هارون في تحقيق إصلاح المنطق لابن السكيت، ولا يمكن تصنيف كتاب الرسالة بأنه أصول فقه وأصول حديث فقط؛ مع ملاحظة أن اللغة أهم ما اعتمد عليه وأهم مميزات مؤلِّفه.

وسواء كان الفضل لهؤلاء أو لهؤلاء، فهو مدعاة فخر لتابعي هؤلاء وهؤلاء.

┈••✾•✿•✾••┈

س: نصوص اللغة، هل لها خصوصية عند تحقيقها تختلف عن بقية النصوص؟ وما أمثلة مظاهر هذه الخصوصية إن وجدت؟

نعم لها خصوصية، مظاهرها: أهمية الضبط التام لبنية الكلمة، فإن كان لا يلزم الضبط التام للكلمة في الفنون الأخرى ويكفي ضبط ما يشكل، فهو لازم في كثير من النصوص اللغوية خاصة الشعر لما له من ضرورات، والتزام بوزن معين. 

وخصوصية المصطلحات التي يختلف مفهومها بين الكوفيين والبصريين.

والخصوصية في الدراسة وخاصة التعريف بمؤلف الكتاب اللغوي، من حيث بيان المذهب النحوي، أو المذهب الفني إن كان أديبًا، أو دراسة الأسلوب والصور وطرائق التعبير والمحسنات.

والخصوصية في الفهارس الفنية التي لابد أن تحوي فهرسًا للغريب، وللألفاظ المفسرة، وللفوائد اللغوية، أو الألفاظ التي أخلت بها المعاجم وغيرها من الفهارس التي تفرضها عليك طبيعة الكتاب المحقق.

كما أنه هناك خصوصة في تحديد عقيدة المؤلف؛ لأن اللغويين لم يكونوا على استواء في هذا الأمر، والجزم بعقيدة أكثرهم أمر محير ومربك، وقد وقعت في هذه الحيرة في تحديد عقيدة ابن خالويه، ولم أستطع أن أبت فيها حتى الآن رغم طول معايشتي له. وقد أدرك هذه المشكلة الدكتور محمد الشيخ عَليُو محمد، فأعد أطروحة بعنوان "مناهج اللغويين في تقرير العقيدة إلى نهاية القرن الرابع الهجري"، وهي من المراجع المهمة التي تعين على هذا الأمر.

وقد أفادني به دكتور أحمد قوشتي حفظه الله.

س: هل لهذا الأمر له جانب إيجابي وسلبي على اللغة؟

لا أعتقد ذلك، فاعتقادهم لم يؤثر سوى في جوانب قليلة من مجاملة حاكم شيعي مثلًا ، فابن خالويه على سليل المثال جامل سيف الدولة في أمور كثيرة منها أنه قدم قراءة علي بن أبي طالب في كتابه البديع دون مسوغ لذلك وألف كتابًا اهتم فيه بأهل البيت وتراجمهم، أما التأثير على اللغة كلغة ليس كبيرا.

┈••✾•✿•✾••┈

س: ما عدة المحقق في نصوص اللغة وأدواته (حسب أقسامها شعرا نثرا نحوا صرفا وغيرها).

الإجابة عن هذا تحتاج صفحات، ولكن أقول باختصار: الاشتغال بالتراث عامة يحتاج إلى ثقافة شاملة ومعرفة عامة بالتراث وفنونه المختلفة، ثم إتقان الفن الذي يعمل فيه، فإن كان يعمل في تحقيق كتب النحو فلابد أن يكون ملمُّا بالنحو وهكذا، ثم معرفة دقيقة بتطور التأليف في علوم اللغة والأدب، والكتب التي تعتبر محطات وعلامات بارزة فيها، ثم معرفة بغالب المؤلفين فيها، ثم معرفة عامة بالخلافات بين الكوفيين والبصريين، ثم معرفة بأهم المصادر التي تساعده في حل الإشكاليات المتعلقة بالمصطلحات والخلافيات والتعريفات، ومَلَكة تتكون عنده بدراسة أمهات كتب اللغة وبالممارسة، واطلاع دائم على المحقَّقات النموذجية لأعلام التحقيق.

ويضاف لذلك معرفة بأهم الآراء المشهورة مثل: واو الثمانية التي تنسب لابن خالويه، ومثل تقسيم الكلمة إلى اسم وفعل وحرف واسم فعل وهكذا، فهي مهمة.

وبالنسبة للشعر يزيد المعرفة بعلم العروض والقافية، وعصور الأدب العربي وأهم أعلامه، وخصائص كل عصر، ومصادر الأدب العربي المهمة.

┈••✾•✿•✾••┈

س: اللغوي عندما يحقق نصا لمصنف ما من أعلام اللغة، هل يحق له تصحيح ما في النص من أخطاء بحجة أن هذا المصنف ما يعقل أن يقع منه مثل هذه الأخطاء.

هي قضية خلافية؛ فمن قائل: له أن يترك ذلك ويعلق عليه في الحاشية إن كان ثابتًا في جميع النسخ الخطية، ومن قائل يصححه ويثبت في الدراسة نقده لأخطاء المؤلِّف.

 وعندي أن الأمر فيه تفصيل؛ لأنه قد يكون من خصائص المؤلف أن عنده قصور في جانب معين، مثل ابن العميد (ت360هـ) الذي كان عنده قصور في الروابط بين الجمل؛ حيث تكون جمله غامضة بسبب هذا القصور، فإن أنت أصلحت له أضعت خصيصة من خصائص أسلوبه المعروفة؛ لذا دعها وأشر في الحاشية وفي الدراسة معًا، وعامةً الأولى عندي تركها إن ثبت أنها في جميع النسخ كذلك، مع عدم التسرع في التخطئة، فربما لها وجه في العربية غائب عنا.

وخاصة في النحو فهناك لغات ولهجات غير مشهورة عندنا ولكنها ثابتة تاريخيا، مثل لغة ربيعة.

┈••✾•✿•✾••┈

س: سؤال طلاب الدراسات العليا أريد مخطوطا تخصص كذا يصلح رسالة، لو سئلت بم تجيبه؟ وهل بقي من تراث اللغة ما لم يحقق بعد؟

فعلا هو سؤال ثقيل على النفس، لأنه يدل على طالب يبدأ حياته العلمية وهو كلٌّ كسول، لا يريد أن يبذل مجهودًا ولا أن يقرأ وينقِّر، ثم إن الموضوع الذي يفرض عليك أو يختار لك، يكون إنتاجك فيه مختلفا تماما عن الموضوع الذي تختاره بعد جهد وعن اقتناع تام بأهميته، فإنك تعالجه بحرارة وليس برتابة وشكلية.

واجيبه بأن يطلع ويقرأ في قائمة الرسائل المسجلة في الجامعات، وفي مقدمة تحقيقات الكتب في مجاله وخاصة الحديث عن مصنفات المؤلف، فسيجد فيها مخطوطات كثيرة لم تحقق مع ذكر بياناتها، ثم يتأكد هلى حققت أم مازالت مخطوطة، ويبدأ في العمل.

نعم بقي الكثير من كتب اللغة لم يحقق، وللتقريب أضرب لك مثلا بفصيح ثعلب، حيث ما ألف فيه –حسب إحصائي- يوجد منها على الأقل ثمانية كتب ما زالت مخطوطة، ومقصورة ابن دريد(ت321هـ) عليها شروح كثيرة جدًّالم يحقق منها إلا القليل.

وهناك خوف على هذا التراث أن يظل بلا تحقيق في ظل افتتان شباب الباحثين بالمناهج اللغوية الغربية والمدارس اللسانية الحديثة واستسهال العمل فيها.

وفي هذا السياق: أود ألف النظر إلى أن هناك بعد الدكاترة يكون صاحب مشروع علمي ومنهج ويوظف تلاميذه في هذا المشروع، مثل الدكتور أكرم ضياء العمري ومنهجه في تطبيق منهج أهل الحديث في تمحيص الروايات على السيرة النبوية، وهذا يوفر على الطالب مسألة البحث عن موضوع، وكثير من الباحثين ينصرفون عن طريق البحث بسبب صعوبة هذه العقبة عليهم.

┈••✾•✿•✾••┈

س: كتب التفسير وشروح السنة وغيرها فيها بعض أبيات الشعر ومنها ما لم ينسب لقائله كيف يوثق النص الشعري؟

كنت أجبت عن سؤال شبيه بهذا ونشرته النشرة الشهرية لمجموعة المخطوطات الإسلامية، ولا بأس بإعادة الإجابة هنا مرة أخرى، فقد قلت:

أولا: الهدف من تحقيق الأبيات الشعرية: اعلم حفظك الله أن هدفك من تحقيق الشعر سبعة أمور:

١- إقامة وزنه على النحو السليم؛ لأنه سيبين لك أي كسر في الوزن فتتداركه، ويبين لك نهاية كل شطر فتفصلها، ويبين لك الحروف التي قد تكون سقطت من الناسخ مثل الواو والفاء، والأهم أنه سيبين لك التشكيل الصحيح للبيت؛ لأن العروض يفرض عليك تسكين متحرك أو تحريك ساكن أو صرف الممنوع من الصرف، أو غيرها من الضرورات الشعرية. ومثال ذلك قولك( فلا تَغُرَّنَّك)، قد تضبط في الشعر(فلا تغرَّنْك).

٢-تشكيله تشكيلا تاما مع مراعاة الضرورات الشعرية، التي ذكرتها لك سابقا.

٣-إقامة ألفاظه وذكر الخلاف فيها بين المصادر، وتعريف الغريب منها.

4- تحرير محل الشاهد ووجه الاستشهاد إن كان موضوع الكتاب الذي تحققه يستوجب ذلك.

5- نسبته لقائله إن أمكن، وتحقيق الخلاف في ذلك إن كان هناك خلاف في النسبة، وكثيرا ما يكون.

6- بيان مناسبة قوله، مدح لفلان، أو هجاء فلان....إلخ.

7- بيان ما به من عيوب القافية مثل الإيطاء والإقواء وغيرها.

ثانيا: كيف أحقق بيتا شعريا أو مقطعة شعرية أو قصيدة: تحقيق الأبيات يكون بالطريقة التالية:

- إذا ذكر المؤلف اسم قائل البيت، فترجع إلى ديوان هذا الشاعر أو شعره المجموع.

- فإن لم يكن له ديوان محقق أو شعر مجموع فاستعن بالمكتبة الشاملة لتبين لك مصادر الأدب القديمة التي ذكرت الأبيات . واختر منها الأقدم تاريخا من الكتاب الذي تحققه وأوثقها، ولابد أن تعود لهذه المصادر نفسها ولا تعتمد فقط على الشاملة؛ لأن بها تحريفات وسقوطات، إنما هي فقط وسيلة مساعدة .

- إن لم يذكر المؤلف الشاعر الذي قال الأبيات، فارجع للمكتبة الشاملة لتدلك على القائل، فإن عرفته ارجع لديوانه أو شعره المجموع، فإن لم يكن له فارجع إلى مصادر ومجاميع الأدب التي ذكرته في الشاملة، ثم تأكد من هذه المصادر نفسها، وأكرر: لا تعتمد على الشاملة فقط فهي مصدر وسيط مساعد.

- عندما تصل للمصادر تأمل ما قالته عن البيت؛ فهي ستساعدك في نسبة البيت لقائله، وفي معرفة موضع الاستشهاد إن كانت طبيعة الكتاب الذي تحققه تقتضي منك ذلك، ومعرفة ما به من عيوب، واختلاف في الألفاظ، وغير ذلك من معلومات.

-صف ما توصلت إليه من معلومات عن البيت في الحاشية، مرتبا المصادر ترتيبا تاريخيا من الأقدم إلى الأحدث.

- بالنسبة لقضية كم من المصادر التي يجب أن تذكرها في الحاشية فهناك في ذلك مدرستان، المدرسة الرمضانية وصاحبها المرحوم بإذن الله رمضان عبد التواب وصاحبه الدكتور صلاح الدين الهادي حفظه الله، وهي تأخذ على نفسها ذكر كل المصادر التي ذكرت البيت؛ لأنه ربما يضيف مصدر فائدة ليست في الآخر، والمدرسة الثانية وهي الأكثر استخداما وتكتفي بثلاثة أو أربعة مصادر فقط، على أن تكون مصادر نوعية؛ أي أكثر التصاقا بموضوع البيت وبالشاعر وأكثر اهتماما بالبيت وبتفصيل القول فيه.

ملحوظة: إذا أكثرت من تخريج الشعر ستتكون لديك دربة تستغني بها عن المكتبة الشاملة، وربما تستطيع بها:

تحديد العصر الأدبي الذي ينتمي إليه البيت، وربما تعرف الشاعر من خلال الَّنَفَس الشعري والغرض الشعري والصور الفنية والمعجم اللغوي، وربما من موسيقى الأبيات، وقد تخمِّن مصادرها من خلال موضوعها .

والله تعالى أعلم.

┈••✾•✿•✾••┈

س: ما مزالق تحقيق كتب اللغة؟

  منها مزالق تحقيق التراث عامة، من تسرع، وعدم الرجوع للمصادر التي نقل منها المؤلف لمطابقة النصوص عليها، وعدم التدقيق في فروقات النسخ الخطية، وعدم ترتيبها التريب الصحيح، والاعتماد على نسخة واحدة، وعدم خدمة النص بدراسة وافية ولا بفهارس شافية.

 ومنها مزالق خاصة باللغة بعض الخصوصية مثل: التعجل في البحث عن معنى كلمة في المعاجم، فلابد من قراءة المادة المعجمية كاملة وعدم الأخذ بأول ما يأتيك من معانٍ موافقة، والاقتصار على معجم واحد دون التوسع في أكثر من معجم، والتعجل في ضبط عين الكلمة، وإهمال ضبط الأشعار ضبطًا تامًّا.

┈••✾•✿•✾••┈

س: لفت نظري مقالكم الفتنة بأحكام العماليق المنشور على الألوكة، حيث ظهر نقدكم لعدد من العماليق... والسؤال لماذا اخترتم لفظ الفتنة دون غيره، وكيف يمكن للباحث في اللغة أن يعمل نقده وفق القواعد دون ازدراء العماليق ودون الإخلال بحقيقة المعلومة؟

أما اختيار لفظ فتنة فله معانٍ لغوية كثيرة قصدت منها في هذا البحث الجاذبية، فإننا يجذبنا الرأي في أمر ممن نُكبرهم، ونسير به دون تمحيص،ويكون هذا الرأي بمثابة مصادرة على المطلوب، فيغلق باب البحث في هذا المجال؛ فيغيب عنا باب من المعرفة جيد.

وقد ضربت مثالين: الأول رأي العقاد في أدب ما قبل الإحياء والبعث، والثاني: في الموقف من شرح حماسة النَّيْرَماني (ت414هـ) وتوصيفها بأنها مجرد شرح لحماسة أبي تمام، وليست حماسة مستقلة.

وكلا الأمرين ثبت أنه غير صحيح.

وفي هذا العنوان تأثر بمقال الطناحي رحمه الله في الرد على الشيخ الشعراوي في قوله بأن اختلاف القراءات بسبب اختلاف الرسم، فكتب الطناحي في الرد على هذا بعنوان "الشيخ الشعراوي والفتنة بما يقوله الكبار".  رحمهما الله.

أما عن المواءمة بين النقد وعدم الازدراء، فإنه لا يليق بطالب العلم أن يزدري أحدًا، فلولا السابق ما ارتقى اللاحق، وإنما هم سادتنا الذين تعلمنا منهم، ومتى ازدرى طالب العلم أحدًا من أهل السبق والعلم فقد كتب شهادة نهايته العلمية، لأنه غرور يودي بثواب الأعمال.

وفي الوقت نفسه من حق طالب العلم أن يصف الخطأ الذي وقع فيه من سبقه، ويقدم لهم الأعذار في خطئهم هذا، ويشكر لهم جهدهم، ثم يبين ما وصل إليه جهده بتواضع؛ فيكون بذلك أدَّى حق السابقين، وأدَّى حق العلم، وأدَّى حق نفسه.

┈••✾•✿•✾••┈

س: اللغة العربية ذات فنون وأفنان، وإذا أردنا أن نقترب أكثر فلنقل: إن دوائر اللغة العربية مشتركة فيما بينها، فكيف يمكن تحديدها؟ هل هي بحسب الفنون المعروفة أم كيف؟

التقسيم الحالي يساوي بين علوم العربية في المرتبة، ولا يرفع همة طالب العلم، ويتسبب في عدم التدرج الطبيعي في علوم العربية؛ وضعف التكوين فيها كلها، والأفضل اعتماد تقسيم الأوائل لعلوم العربية إلى: علوم آلة (النحو والصرف والمعاجم ومصطلح الحديث وعلوم القرآن وأصول الفقه والبلاغة إلخ). وعلوم غاية (التفسير والحديث والعقيدة والفقه إلخ).

فهذا التقسيم والوعي به يجعل طالب العلم لا يتخصص في علوم الغاية حتى يتقن علوم الآلة، ويجعل طالب العلم لا يقضي عمره في علوم الآلة بل يدفعه إلى الارتقاء منها إلى علوم الغاية إن استطاع، كما يحافظ على وحدة العلوم العربية الإسلامية وأنها كل لا تتجزأ، فعلوم الآلة لابد أن تتعلمها كلها دون تفريق وإلا ستظل أعرج علميًّا؛ ناقص الملكات، غير مكتمل التكوين؛ وبالتالي لن تبدع في أي تخصص تتخصص فيه، تلك طبيعة العلوم العربية شئنا أم أبينا.

وتلك حقيقة غابت عن الأذهان .. فعلوم الآلة مفضية إلى ما بعدها

┈••✾•✿•✾••┈

س: الاستدراك على المعاجم اللغوية كيف تقيمون الجهود فيه؟ وما يمكن إضافته في هذا الباب؟ وما أهم القواعد فيه إن أمكن؟

قبل الحديث عن الجهود في الاستدراك فإني أحبذ أن أبدأ بنبذة عن جهود المعجميين أولا في إنشاء المعاجم، وهو جهد يستحق الشكر والتقدير، ولنأخذ مثالا معجم تاج العروس مثلا،  ألفه الزبيدي في 14 عامًا، وتركه في عشرة مجلدات، ويحوي 120 ألف مادة لغوية، وجاء تحقيقه في أربعين جزءًا، واستغرق تحقيقه 36 عامًا منها فترات توقف، وساهم في تحقيقه 25 عالمًا لغويًّا- وقد شرفت بالمشاركة في مراجعة بروفات بعض الأجزاء الأخيرة منه-، فلك أن تتخيل هذا الجهد الموسوعي الذي قام به فرد واحد، وخدمه جيش من العلماء!

وأما عن الجهود في الاستدراك فهناك دراستان رائعتان تعالجان هذه القضية، الأولى للعملاق محمد حسن حسن جبل رحمه الله تعالى بعنوان: "الاستدراك على المعاجم العربية في ضوء مئتين من المستدركات الجديدة على لسان العرب وتاج العروس"، والثانية بعنوان" الاستدراك على المعاجم العربية لدى اللغويين العرب دراسة تطبيقية"، لعبد العزيز بن حميد الحميد.

وحركة الاستدراك صاحبت إنشاء المعاجم خطوة بخطوة، فكل معجم أُلِّف بعد العين المنسوب للخليل يشمل جهدين: استيعاب المعاجم السابقة عليه أو أهمها من وجهة نظر المؤلِّف، وإضافة الجديد الذي وقف عليه، والترتيب بشكل يسهل الوصول للفظ ومعناه، فحركة التأليف المعجمي نفسها استدراك دائم، وإعادة نظر دائمة في الترتيب والمحتوى، ثم يأتي من يستدرك على هذه المعاجم في مؤلف مستقل وقد أحصى منها الدكتور حسن جبل رحمه الله مئتي كتاب، ثم اهتم بعض المحققين لا سيما في كتب اللغة بعمل فهرس للألفاظ التي فاتت المعاجم اللغوية.

وأما عن تقييم هذه الجهود فهي جهود طيبة يصل فيها الخلف جهد السلف، ويؤدي حق اللغة في الحصر والوصف.

وتتوافق مع طبيعة العلم التراكمية المتراكبة.

وفي الآونة الأخيرة ظهر فرع اللغة المحوسبة، أو حوسبة اللغة، الذي ساهم بشكل كبير في الحصر والاستقصاء، وستظل هذه الجهود مستمرة لن تنقطع؛ لأن لغة العرب كما قال الإمام الشافعي: "أوسع الألسنة مذهبًا وأكثرها ألفاظًا ولا نعلمه يحيط بجميع علمه إنسان غير نبي".

أما عن القواعد فهي: أننا أولا نحتاج إلى تحقيق هذه المعجمات تحقيقًا جيدًا فلسان العرب حتى الآن لم يحقق، ثم تحقيق المستدركات التي ألفت عليها وهي كثيرة، ثم الحصر والمقارنة الحاسوبية في المؤلفات العربية القديمة جميعها، ومراعاة شرط المستدرَك عليه، فإن كان خارجًا عما ألزم به نفسه من منهج، فلا يصلح أن يستدرك عليه، ومراعاة التطور الدلالي للألفاظ فربما يستدرك معنى على معجم ويكون هذا المعنى قد طرأ بعده.

وأهم ما يمكن استدراكه على المعجمات جميعًا ويعالج نقصًا لغويًّا شديدًا هو المصطلحات الحديثة والمعرَّبات، وتاريخية الألفاظ، وقد انتبهت للأخير المؤسسات العلمية وشرعت فيه أكثر من دولة، بعد أن مر وقت طويل على جهد فيشر(ت1949م) في المعجم التاريخي، وبعد تعثره في مجمع اللغة العربية بالقاهرة.

┈••✾•✿•✾••┈

س: العلم بالشعر هل يمكن بتتبع شروحه؟ أم لابد من قراءة الشعر نفسه ضمن ورد خاص للقارئ؟

هذا الأمر فيه تفصيل؛ ففيما يتعلق بالشعر الجاهلي لا يمكنك في بداية الطلب إلا قراءة الشروح حتى تُفهم الألفاظ الغريبة شائعة الاستخدام في الشعر الجاهلي، مثل الألفاظ المتعلقة بالأطلال وأسماء الأماكن، وأحوال الناقة وصفاتها وسيرها، حتى يستقيم لك فهمه، ولا بد أن يصاحب ذلك معرفة بتاريخ العرب وعاداتهم وأيامهم ووقائعهم؛ لأنها تساعد على فهم النص، ويتبع الشعر الجاهلي بعض الشعراء في العصر الأموي مثل ذي الرُّمَّة الذي كان مولعًا بالغريب من الألفاظ.

وطالما ذكر الشعر الجاهلي فلابد أن نترحم على  أستاذنا الدكتور علي الجندي فقد كان له كبير فضل في الوصول بي وبزملائي من الطلاب إلى مرحلة التلذذ بالشعر الجاهلي؛ بسبب طريقته الممتعة في توصيل المعاني وتقريب الصور بخفة ظلٍّ وعمقٍ في آنٍ، وفضله كبير على خريجي دار العلوم، فجزاه الله عنا خير الجزاء، وليته سجَّل شروحه صوتًا أو ليتنا سجَّلناها.

وبعد المرور بمرحلة الشعر الجاهلي تستطيع السير في تذوق الشعر في العصور التالية بذائقتك الخاصة مباشرة دون وسيط شارح إلا في القليل من المواضع؛ لأن غربة الألفاظ ستزول عنك والصور ستدنو منك. والله أعلم.

فهي ارتياضٌ وشغفٌ، وعتبة إذا عبرتها فقد فتح لك البناء كله.

 

تحميل المقال